لا في الخطوب نراه ولا في الشدائد , نسمع صوته في أي مكان وأي زمان , أما أفعاله فغائبة دوما ً , عرفناه منذ زمن , في الكلام يصنع لنا من إبريق الماء نهراً , أما عند الحاجة فلا نرجوا منه شربة ماء , عرفناه منذ عرفناه باسم ( أبو الكلام ) , وما عرفناه باسم غير هذا .
اليوم عرس ( أبو الكلام ) , انتهت الاحتفالات وحل الظلام , سكتت أصوات الحداء وزغاريد النساء , صوت ( أبو الكلام ) شق سكون الليل , وقف على سطح بيته وصار يصيح بأعلى صوته : منذ اليوم صارت جميلة حليلتي , أعرف أن الطامعين بها كثر , ولكن حذاري حذاري , سأقتلع العين التي تفكر بسرقة نظرة منها , من رآها في طريق فليسلك طريقاً أخرى , اليوم صارت جميلة لي دون سواي , من كان في نفسه أي سوء فليفكر ألف مرة ومرة , إنها ليست كباقي النساء إنها زوجة ( أبو الكلام ) , وكلكم يعرف من هو ( أبو الكلام ) , جميلة صارت منذ اليوم ( ست النساء ) , ملكة تجلس على عرش مملكتي , ومن كانت أمه تواقة لتحمل في نعشه فليحاول الإقتراب من جميلتي ,
في تلك الأثناء نادته جميلة تطلب منه النزول حيث قالت :
أبو الكلام , يا رجل , هل تسمعني ؟ هنالك أحد يدق الباب ,
أبو الكلام : لا يهمني دق الأبواب , ولا يهمني قطع الرقاب , ما يهمني اليوم أن تعلم كل البلد أن جميلة اليوم ما عادت جميلة الأمس ,
جميلة : تعال يا رجل , أرجوك تعال , صوت الدق يعلو ويعلو ,
أبو الكلام : أي علو وأي انخفاض , كل من يعلو سأكسر رجليه حتى ينخفض , وإذا انخفض فسأدوسه بمداسي ,
جميلة : يا الهي , يا ويلي , إن الطارق يحاول خلع الباب ,
أبو الكلام : سأخلع يده من مكانها وألقي بها للكلاب , وليكن عبرة لمن يعتبر ,
جميلة : لقد خلع الباب ودخل , انزل يا رجل , إنه جارك ( أبو الشرور ) ,
أبو الكلام : شره على نفسه هذا الأحمق , لقد دخل عش الدبابير , إن كان دخوله بمزاجه فلن يكون خروجه كذلك ,
جميلة : يا ناس , يا خلق الله , يا ( ابو الكلام ) , أرجوكم , أغيثوني , هذا الرجل اللعين يطاردني في بيتي ,
أبو الكلام : إنها نهايته , ستطارده لعنتي وسخطي أينما حل وأينما ارتحل , لن أقبل شفاعة أحد فيك أيها الجبان ,
جميلة : أبو الكلام , أبو الكلام , انزل أرجوك , إنه إنه ...........
أبو الكلام : لماذا اختفى صوتك يا حبيبتي ؟ ما الذي فعله بك هذا الوغد ؟؟
ظل أبو الكلام يقف على سطح بيته مهدداً متوعداً حتى لاح الصباح , نزل بعدها ليجد جميلة منفوشة الشعر ممزقة الثياب يتلون جسدها بألوان الكدمات , تبكي وتجمع ثيابها , حاول أن يكلمها فلم تستمع له , ارتحلت عنه دون أن تنبس بكلمة واحدة ,
لم نر ( أبو الكلام ) ولم نسمع صوته طوال ذلك النهار , وعند حلول الظلام دوى صوته من فوق بيته , كان يحمل سكيناً ويدور في كل الإتجاهات صائحاً :
أين أنت أيها اللعين , لن أقتلك , بل سأجعلك تتمنى الموت كل لحظة ولن تطاله , سأجعل منك قصة تروى , سأجعل منك عبرة لكل من تسول له نفسه الإعتداء على أعراض الناس , ستعرف جميلة أن شرفها ما ضاع هدراً , ستنتهي الرذيلة من الأرض جراء انتقامي , دخلت بيتي أيها الأحمق فخانتك حساباتك وألقت بك حماقاتك إلى الهاوية , هاوية ما فكرت بها يوماً ولا خطرت ببالك , اخرج إلي أن كنت رجلاً , لكنك لست رجلاً لتخرج وحدك , أنا من سيخرجك , الأيام قادمة والأرض ضيقة فأين المفر ؟؟
ليلة أخرى غابت ظلماتها ولاح صبحها وأبو الكلام يهدر ويزمجر , ونهار آخر غاب فيه أبو الكلام عن الأنظار , وعند حلول الظلام سمعنا صوت ( أبو الكلام ) من جديد يعلو من فوق سطح بيته قائلاً :
أيها الوقح أما أخافك كل ذلك التهديد والوعيد الذي سمعته مني ليلة أمس ؟؟ كيف تجرأت ودخلت بيتي من جديد بعد فعلتك تلك ؟ بل وتصعد بقدميك إلى سطح بيتي ؟ أية حماقة هذه ؟ وما بالك تحدق بي هكذا ؟؟ أما كفاك الذي فعلت ؟ ماذا تريد مني ؟ لا تقترب , قلت لك لا تقترب , ماذا تريد مني ؟ لا لا لا , أرجوك ابتعد , سأصرخ بعلو صوتي لأفضح شذوذك , قلت لك ابتعد عني أيها الشاذ اللعين , ابتعد ابتعد , إلحقوووووووووووووووووني ,
كانت تلك الكلمة هي آخر ما سمعناه من ( أبو الكلام ) , غاب صوته كما هي أفعاله غائبة , ما زلنا نراه في بعض الأحيان لكن دون أن نسمع صوته , ورغم ذلك ما زال اسمه ( أبو الكلام ) .